التحـدي24 – س / أ
حمل العدد الأخير من الجريدة الرسمية للمملكة المغربية بشرى لساكنة جبال ايت باها وتزنيت، والقاضي بإحداث ستة منتزهات طبيعية جديدة ومحميتين بيئيتين، مع استثناء تنزيل المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير الغربي الدي يشمل عدة مناطق جبلية بكل من اقليمي اشتوكة ايت باها وتزنيت.
شكل هذا مفاجئة سارة للمترافعين عن حقوق الساكنة المحلية، والمهتمين بمسار هذا المشروع الذي سبق أن كان محط بحث علني رسمي بموجب قرار صادر عن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات في 29 دجنبر 2023.
المنتزه المقترح أعلن عنه في عهد الوزير السابق محمح صديقي، كان سيمتد على مساحة شاسعة تربط بين جبال إقليم اشتوكة أيت باها، ومرتفعات تافراوت، وجبال تيزنيت، وهي مناطق تزخر بتراث طبيعي استثنائي يتنوع بين الغابات الجبلية، والمجال الصخري، والغطاء النباتي النادر، إلى جانب كونها خزانا للتنوع البيولوجي المحلي، خاصة في ما يخص الطيور والنباتات المستوطنة.
غير أن المجال الجغرافي الواسع الذي حدده المشروع، أثار مخاوف شديدة لدى الساكنة المحلية، خصوصاً سكان القرى الجبلية، والرعاة وصغار الفلاحين، وساكنة البوادي التي تعيش في هاته المناطف، معتبرين إياه تهديداً مباشراً لأنماط عيشهم التقليدية التي ترتكز على الرعي، والزراعة المعيشية ، واستغلال الأعشاب والنباتات المحلية، وهي أنشطة تمثل عماد الحياة الاقتصادية والاجتماعية في هذه المناطق.
معارضة محلية واسعة واحتجاجات صامتة
فور الإعلان عن البحث العلني، تحركت عدة فعاليات مدنية ومنتخبة باشتوكة أيت باها، وتزنيت وعقدت اجتماعات موسعة على مستوى الجماعات الترابية المتأثرة، أبرزها جماعات من دوائر تافراوت، وأملن، وأدوسكا، وآيت باها، وسيدي أحمد أو موسى، وسبت تيغمي، وتاركا نتوشكا لفضح الإشكاليات المتوقعة لهدا المشروع وتأثيراته السلبية على الساكنة، مما دفع بتعميم فكرة الإبداء عن تعرضاتهم بشكل رسمي في الجماعات الترابية التي ينتمون لها ورفضهم للمجال الترابي المقترح للمنتزه.

الرافضون للمشروع اعتبروا أن ترسيم حدود المنتزه لم يراع أبدا الخصوصيات المجالية والتاريخية للمنطقة، ولا تداخل السكن والمراعي والأنشطة الاقتصادية مع المساحات الطبيعية، وهو ما كان سيؤدي ـ بحسبهم ـ إلى فرض قيود صارمة على حرية التنقل واستعمال الموارد المحلية، دون توفير بدائل واقعية أو ضمانات للتعويض.
لقاء حاسم بأكادير يجمّد المشروع مؤقتاً
رداً على هذا الرفض المتصاعد، عُقد اجتماع رسمي بمدينة أكادير ترأسه وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات رفقة عدد من المسؤولين المركزيين والجهويين، تم خلاله إيصال رأي الساكنة للوزير وعرض مذكرات الطعن المحلية، ومناقشة ملاحظات المنتخبين والمجتمع المدني.
الاجتماع خلُص آنداك إلى تجميد مرسوم إحداث المنتزه مؤقتاً، مع وعد بإعادة دراسة المجال المقترح وحدوده وتصوراته، بشكل يُشرك الفاعلين المحليين ويضمن توازن المصالح بين حماية البيئة والمحافظة على سبل العيش التقليدية.
لكـن كانت المشاركة الجماعية في التعبير عن الرفض القاطع لإحداث هدا المنتزه الدي يضم في الان نفسه عددا من المناطق السكنية في الدواوير شكل دافعا أساسيا لاقتناع السلطات المركزية ومصالح المياه والغابات بالتراجع عن تنزيل هذا المخطط كنوع من الإستجابة الفورية لمطالب الساكنة التي باتت تعاني مشاكل جمة وصعوبات في الإستقرار بهاته المجالات الجبيلة، مما جنب المنطقة احتقانا وغضبا شعبيا من قرارات الدولة.
مشروع بيئي أم استهداف صريح ” للإستقرار المعيشي” ؟
يرى عدد من الباحثين والنشطاء البيئيين أن هذا الملف يعكس إشكالية وطنية أعمق في تدبير العلاقة بين السياسات البيئية وساكنة القرى الجبلية.
فالمنتزه،أو بتعبير أدق “المحميات الغابوية” رغم وجاهة أهدافها البيئية، إلا أنها تتم وفق وفق مقاربة تشاركية حقيقية مع من يعيشون في قلب هذه الجبال، ويعرفون تفاصيلها الميدانية ومشاكلها الحقيقية، مما جعل هذا المشروع بمثابة نموذج لصراع قديم ومتجدد بين منطق المحافظة الإيكولوجية، ومتطلبات العدالة المجالية والمعيشية في المناطق الجبلية بالمغرب.
في غالب الأحيان تتحول المنتزهات والمحميات الطبيعية، رغم أهدافها النبيلة في الحفاظ على التنوع البيولوجي والبيئة، الى آلـة حديثة للقضاء على الزراعات المعيشية لساكنة القرى المجاورة أو الواقعة ضمن حدودها، حيث ” يُمنع أو يُقيد استغلال الأراضي داخل المحميات، ما يعني أن الفلاحين لن يعود بإمكانهم زراعة أراضٍ كانت مورد رزقهم التقليدي، خاصة إذا لم تكن لديهم وثائق رسمية تثبت ملكيتهم لهاته الأراضي المشاعة للقبائل وهو أمر شائع في المناطق الجبلية حيث تقتسم العائلات العريقة استغلال هاته الأراضي في الحرث والرعي بالإعتماد على أعراف عريقة وتقليدية .
إضافة لذلك تقيد المحميات والمنتزهات الطبيعية بعض الأنشطة التي كانت تتم بشكل طبيعي تتحول إلى أنشطة خاضعة لترخيص مسبق، مثل تربية النحل أو إقامة خزانات مائية أو زراعة أصناف معينة، ما يُثقل كاهل الفلاح البسيط بإجراءات بيروقراطية أكثر تعقيداً .








