في مشهدٍ نادرٍ من الإنصات والتفاعل المسؤول، جسّد عامل إقليم اشتوكة أيت باها، السيد محمد سالم الصبتي، نموذجًا في الحكامة القريبة من نبض الشارع وهموم المواطنين، وذلك خلال اللقاء التواصلي الأخير مع أعضاء المجلس الجماعي لأيت عميرة. لقاءٌ لم يكن عاديًا، بل محطة مفصلية جمعت بين الاعتراف الصريح بالأعطاب التنموية التي تثقل كاهل الجماعة، والتأسيس لرؤية جديدة قوامها التخطيط المشترك، والعمل الميداني، والدفع بعجلة التنمية نحو الأمام.
جماعة تُثقلها الأرقام والتحديات
استعرض المنتخبون في مداخلاتهم واقعًا قاسيًا لجماعة تُعد من بين الأكبر ديموغرافيًا بالإقليم، حيث يناهز عدد سكانها 113 ألف نسمة، 78 ألفًا منهم يتركزون في المركز الحضري. هذا الزخم البشري، الناتج عن توافد مستمر من 14 إقليمًا داخليًا وعدة بلدان إفريقية جنوب الصحراء، زاد من الضغط على بنيات تحتية هشّة وخدمات إدارية وصحية وتعليمية محدودة.
الصورة كانت قاتمة: طبيبان فقط في المراكز الصحية، 41 موظفًا إداريًا لخدمة هذا العدد الهائل من السكان، مؤسسات تعليمية تعاني الاكتظاظ والخصاص، خدمات اجتماعية مرتبكة، بنية تحتية متدهورة، وعجز بيّن في تدبير النفايات وتأطير الشباب.
لكن رغم السواد الطاغي على المداخلات، فإن اللقاء حمل نَفَسًا جديدًا، تشكل عبر تعابير الصراحة والوضوح، مما أعطى إشارة قوية إلى الاستعداد الجماعي لتجاوز المرحلة بروح جديدة.
الصبتي: “أيت عميرة أولوية تنموية… ولن نسمح بتكرار نفس الإخفاقات”
عامل الإقليم، الذي استمع بإمعان لكل تدخل، أكد في كلمته أن أيت عميرة، بتنوعها وتعقيداتها، ليست عبئًا، بل فرصة تنموية تستحق العمل الجاد والمضبوط. ومن هذا المنطلق، بسط المسؤول الأول بالإقليم مجموعة من المحاور الاستراتيجية التي تشكل العمود الفقري للرؤية الجديدة:
معالجة أزمة الماء الشروب: من خلال التسريع بربط الجماعة بمحطة التحلية، وتحسين جودة الخدمات من خلال الشركة الجهوية للتوزيع.
مشروع التطهير السائل: رُصد له غلاف مالي بقيمة 185 مليون درهم، وسيشكل تحوّلًا نوعيًا في تحسين جودة العيش وتنظيم المجال الحضري.
تدبير النفايات المنزلية والفلاحية: عبر إنشاء مركز إقليمي مراقب للنفايات ومراكز تحويل، مع إشراك القطاع الخاص في تدبير النفايات الفلاحية.
حل إشكالات العقار والتعمير: اعتماد مقاربة جديدة في التعاون مع مؤسسة العمران، لتوفير العقار العمومي اللازم لتشييد البنيات الاجتماعية والإدارية.
تحسين العرض الاجتماعي: من خلال توفير عقارات لبناء مؤسسات تعليمية، تأهيل النقل المدرسي، ودعم التعليم الأولي، فضلًا عن مواكبة الوضع الصحي المقلق بتوفير أطر وتجهيزات طبية.
دعوة للعمل الجماعي والترافع المؤسساتي
في نهاية اللقاء، وجّه العامل نداءً صريحًا للمنتخبين والمصالح الخارجية وممثلي الدولة إلى الترافع الجاد والمثمر لدى القطاعات الوزارية، والعمل الميداني المشترك، لضمان التمويلات الضرورية وتحقيق الانتظارات المشروعة لساكنة أيت عميرة. كما ذكّر بالدور الأساسي للنخب المحلية في قيادة هذه الدينامية، وتأمين شروط نجاحها.
وختم العامل كلمته بتعبير مؤثر: “أيت عميرة محتاجة إلينا جميعًا… هي اليوم في قلب أولوياتنا، ولن نذخر جهدًا في دعمها”.
نحو مرحلة جديدة من البناء
بهذا النفس الجديد، يتضح أن أيت عميرة تقف على أعتاب مرحلة مفصلية، عنوانها المسؤولية الجماعية والاشتغال من الميدان. فهل تكون هذه الدينامية الجديدة مدخلًا فعليًا لتصحيح المسار، وتكريس العدالة المجالية، وإنصاف واحدة من أكثر جماعات الإقليم حيويةً وتحديًا؟
الكرة الآن في ملعب الجميع… والمستقبل لا ينتظر.
A.Bout