تترقب ساكنة إقليم إنزكان آيت ملول التنصيب المرتقب للعامل الجديد محمد الزهر، بعد الزلزال الإداري الذي أطاح بسلفه، إثر رصد اختلالات وصفت بـ“الجسيمة” في تدبير شؤون الإقليم.
قرار وزارة الداخلية بعزله لم يكن حدثاً عادياً، بل شكّل رسالة واضحة مفادها أن عهد الإفلات من المحاسبة قد انتهى، وأن المرحلة المقبلة ستكون عنوانها الإصلاح والمساءلة.
جاء قرار العزل في سياق محلي مشحون بالاحتقان الاجتماعي، إذ عرفت مدينة آيت ملول على وجه الخصوص خلال السنوات الماضية سلسلة من الوقفات الاحتجاجية والمراسلات الموجهة إلى العامل السابق، طالبت بالتدخل العاجل لإنصاف الساكنة من التهميش والتمييز الذي تمارسه بعض الجهات المنتخبة.
في عهد العامل السابق، برزت مدينة آيت ملول كنقطة توتر اجتماعي متزايد.حي أكيا عبو شكّل رمزاً لمعاناة متراكمة بعدما حُرم سكانه من الماء الصالح للشرب لسنوات، دون تدخل فعّال من السلطات المعنية رغم المراسلات المتكررة.
كما اتهمت فعاليات جمعوية المجلس الجماعي لـآيت ملول بـاستغلال النفوذ وتصفية الحسابات السياسية، عبر تهميش الأحياء التي لم تصوّت لفائدة الحزب المسير للمجلس، وحرمانها من مشاريع التهيئة والإنارة العمومية وتبليط الشوارع.
في المقابل، استفادت مناطق محددة محسوبة على بعض الأعضاء من مشاريع تأهيل متكررة، مما غذّى شعوراً بـالتمييز المجالي الصارخ.
سكان عدة أحياء يشتكون كذلك من الحرمان من رخص البناء، بينما تُمنح الرخص بسهولة لمقربين من مسؤولين جماعيين، ما اعتُبر مظهراً من مظاهر الزبونية والمحسوبية.
إلى جانب ذلك، تعيش شوارع المدينة وضعاً كارثياً، محفّرة ومهترئة، رغم النداءات المتكررة من السكان، لكن صوت المواطن ظل بلا صدى.
ملف آخر يثقل كاهل المدينة، ويتعلق بـمعامل وشركات تُزعج السكان بالدخان والضوضاء ليلاً، خصوصاً في المناطق الصناعية القريبة من الأحياء السكنية.
ورغم الشكايات المتكررة التي رفعتها الساكنة إلى المجلس الجماعي والعامل السابق، فإن الجهات المعنية التزمت الصمت، في ما يشبه تواطؤاً مكشوفاً مع لوبيات اقتصادية نافذة.
أما مدينة إنزكان التي كانت تعد القلب التجاري النابض للجهة، فقد تدهورت صورتها بشكل لافت، بعدما تحولت إلى مدينة مرابد عشوائية ومشاريع غامضة تثير الكثير من علامات الاستفهام حول طرق تدبيرها وتمويلها.
العديد من التجار والساكنة باتوا يشتكون من انعدام التنظيم، وانتشار الفوضى، وتراجع البنية التحتية، في ظل غياب رؤية تنموية واضحة من المجالس المنتخبة المتعاقبة، وصمت السلطات .
أمام هذا الوضع المعقد، سيكون العامل الجديد مطالباً بخطة جريئة لإعادة ترتيب الأوراق، تبدأ بـتطهير الملفات العقارية، ومراجعة رخص التعمير الممنوحة خارج القانون، وفتح تحقيقات في مشاريع لم ترَ النور رغم رصد ميزانيات ضخمة لها.
كما يُنتظر منه استعادة الثقة بين المواطن والإدارة، عبر التواصل المباشر، وإعادة الاعتبار للعدالة المجالية، ومحاربة مظاهر التسيّب التي نخرت التدبير المحلي خلال السنوات الماضية.
إن تعيين العامل الجديد لإقليم إنزكان آيت ملول لن يكون مجرد إجراء إداري، بل امتحان حقيقي للدولة في تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
فالإقليم اليوم يقف على مفترق طرق، إما مواصلة مسار الفوضى والتفاوت، أو فتح صفحة جديدة عنوانها الإنصاف، الشفافية، والتنمية المتوازنة.
الكرة الآن في ملعب القادم الجديد: فهل يملك الجرأة الكافية لقطع مع إرث الماضي وفتح عهد جديد من الإصلاح الجاد؟