فيما يحتفي العالم بيوم الطفل… أطفال محتجزون بتندوف يجبرون على حمل السلاح

.في اللحظة التي يقف فيها العالم لإحياء اليوم العالمي للطفل، مستحضرا قيم الحماية والرعاية والكرامة والحق في التعليم والنمو، تتبدد هذه القيم بمجرد أن نوجه البصر نحو صحراء تندوف، حيث يسلب آلاف الأطفال أبسط حقوقهم، وينتزعون من طفولتهم إنتزاعا قسريا ليجدوا أنفسهم مجندين في صفوف جبهة البوليساريو، حاملين السلاح بدل الحروف، ومقهورين في معسكرات مغلقة تديرها الجبهة بدعم ورعاية من الدولة الجزائرية.

إنها صورة دامية تعري إزدواجية الخطاب الإنساني العالمي، وتكشف وجود طفولة منسية خارج دائرة الإهتمام الأممي.

ويشكل تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة إحدى أبشع الإنتهاكات التي عرفها المجتمع الدولي، وهو جرم وصفه القانون الدولي الإنساني بأنه مساس خطير بالكرامة الإنسانية.

وقد جاءت إتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 لتضع الأسس الأولى لحماية الطفولة زمن الحرب، قبل أن ينسج البروتوكولان الإضافيان لعام 1977 شبكة حماية أدق، فالمادة 77 من البروتوكول الأول تحظر صراحة تجنيد من هم دون الخامسة عشرة، والمادة 4 من البروتوكول الثاني تمنع منعا مطلقا إشراك الأطفال في الأعمال العدائية، سواء في النزاعات الدولية أو غير الدولية.

أما القانون الدولي لحقوق الإنسان فقد أحدث نقلة نوعية حين إعتمدت الأمم المتحدة إتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، التي نصت مادتها 38 على إلتزام الدول بعدم إشراك الأطفال دون الخامسة عشرة في النزاعات المسلحة، قبل أن يأتي البروتوكول الإختياري لعام 2000 ليحسم الموقف برفع سن الحظر إلى الثامنة عشرة وإلزام الدول بإتخاذ التدابير التشريعية والإدارية لمنع تجنيد الأطفال أو إستخدامهم في الأعمال العسكرية.

وتتعزز هذه الحماية بمبادئ باريس لعام 2007، التي منعت تجنيد الأطفال بصورة قاطعة، وألزمت بإطلاق سراحهم وإعادة إدماجهم اجتماعيا.

كما قطع نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الشك باليقين حين صنف تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة جريمة حرب تستوجب المتابعة الجنائية الفردية، وهو ما أكدته السوابق القضائية، ومنها أحكام المحكمة الخاصة بسيراليون.

وبناءا على هذه المقتضيات، فإن ما يجري في مخيمات تندوف يمثل جريمة حرب مكتملة الأركان، تشترك فيها البوليساريو بصفتها المنفذ المباشر، والجزائر بصفتها الدولة الحاضنة التي تدعم وتسهل هذه الإنتهاكات فوق أراضيها، في خرق صارخ لقواعد المسؤولية الدولية.

إذ لا يمكن إعفاء الجزائر من تبعات جريمة تقع داخل ترابها وتحت إشراف سلطاتها، بل يقع عليها إلزام قانوني وحقوقي بمنع هذه الإنتهاكات ومعاقبة مرتكبيها، لا رعايتها وتوفير الدعم اللوجستي لها.

وقد كشفت الجبهة الانفصالية بنفسها عن هذه الجرائم عبر ما تبثه من أشرطة وصور تروج لها دون وعي بخطورتها، وتظهر أطفالا صغارا يحملون أسلحة ثقيلة وعتادا حربيا يفوق طاقتهم الجسدية والنفسية.

في مشهد يؤكد إصرار الجبهة على عسكرة الطفولة بدل تعليمها.

وتتزايد التقارير الدولية قتامة الوضع بمخيمات تندوف، إذ تشير إلى أن الجبهة لا تكتفي بتجنيد الأطفال، بل تدفع بهم إلى أعمال شاقة ومناورات عسكرية وتفصلهم عن أسرهم، وتخضعهم لتكوين أيديولوجي قائم على التحريض والكراهية، بل وترحل بعضهم لتلقي تدريبات عسكرية وتكوين عقائدي أيديلوجي بمناطق ثوتراث بالساحل بغرض إستخدامهم في عمليات تجسس أو زرع متفجرات أو تنفيذ هجمات ضد وطنهم الأم المغرب.

إن هذا الانتهاك البنيوي لحياة الأطفال وحقهم في النمو والتعليم يشكل جرحا غائرا في الضمير الإنساني، ويتطلب تعبئة حقوقية دولية عاجلة، ودعوة صريحة للجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل وللمنظمات الدولية المختصة لفتح تحقيق شامل في مصير هؤلاء الأطفال المحتجزين.

وفي اليوم العالمي للطفل، حيث يرفع العالم شعار “لكل طفل حق”، يبقى أطفال تندوف الاستثناء الأكثر إيلاما. أطفال محرومون من المدرسة و من الأسرة و من الأمان ومن المستقبل.

أطفال ينتزعون من مقاعد الدراسة ليلقوا في ساحات تعدهم لمصير مجهول.

ختاما، إن أصغر طفل يجبر على حمل السلاح هو أكبر جرح في جسد الإنسانية، وما لم يتحرك المجتمع الدولي بصرامة، سيظل هذا الجرح مفتوحا، ينزف كل عام… في اليوم الذي يفترض أن يكون حفلا عالميا لبراءة الطفولة.

د/ الحسين بكار السباعي محلل سياسي وخبير إستراتيجي.

الأخبار ذات الصلة

المزيد من الأخبار جار التحميل...لا يوجد المزيد من الأخبار

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *