في ظل التغيرات المناخية المتسارعة وتفاقم ظاهرة الجفاف التي تشهدها جهة سوس ماسة، شكل موضوع الماء محورًا مركزيًا في أشغال الدورة العادية للمجلس الإقليمي لاشتوكة آيت باها، المنعقدة اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025. دورةٌ تميزت بحضور وازن لعامل الإقليم، السيد محمد سالم الصبتي، الذي لم يكتفِ بالتشخيص، بل قدم التزامات واضحة لمعالجة معضلة “العطش” التي تؤرق ساكنة العديد من الجماعات، خصوصًا القروية والجبلية منها.
ندرة المياه: من التشخيص إلى التحرك
جاءت الكلمة الافتتاحية لعامل الإقليم صريحة في لهجتها، دقيقة في أهدافها، وواقعية في مقاربتها. فبخلاف الخطابات العامة، ركز العامل على الإقرار بأن مشكل التزود بالماء الشروب بات أولوية قصوى تتطلب استجابة عاجلة. وفي هذا الإطار، وعد المسؤول الأول عن الإقليم بإيجاد حلول ملموسة وفي أجل محدد، مبرزًا أهمية التنسيق بين كافة المتدخلين، من سلطات محلية ومجالس منتخبة وقطاعات حكومية.
واعتبر العامل أن مشروع ربط الجماعات المتضررة بمحطة تحلية مياه البحر بالدويرة يُعد من أبرز المشاريع الاستراتيجية التي تعول عليها الجهة، رغم كلفته المالية الكبيرة. ويُنتظر أن يسهم هذا المشروع في تعزيز الأمن المائي للمناطق الأكثر هشاشة، ووضع حد لمعاناة الساكنة مع صهاريج الماء الموسمية وغياب الاستقرار في التزود بهذه المادة الحيوية.
استثمارات مائية جديدة: بين الحاجة والإمكانيات
لم يتوقف النقاش عند محطة التحلية فقط، بل شمل كذلك مشاريع حفر وتعزيز الآبار، كما هو الحال في دواري بوكيمت وقصابة الجراد بجماعة إنشادن، حيث صادق المجلس على اتفاقيات شراكة لتنفيذ هذه المشاريع. وتكتسي هذه المبادرات أهمية خاصة بالنظر إلى بعدها الترابي، إذ تستهدف مناطق معزولة يصعب عليها الانتظار حتى استكمال المشاريع الكبرى.
ومع ذلك، فإن هذه المشاريع، وإن كانت ضرورية، تظل رهينة بمدى التزام المقاولات والجماعات المعنية، ناهيك عن الحاجة إلى مواكبة تقنية وضمانات للاستدامة البيئية والاجتماعية، كي لا تتحول الآبار الجديدة إلى حلول ظرفية تؤجل الأزمة بدل حلها جذريًا.
دعوة إلى تعبئة جماعية
شدد عامل الإقليم، في أكثر من موضع، على أن تجاوز تحدي الماء لا يمكن أن يتم بمنطق التدبير القطاعي المعزول، بل بمنظور شمولي يقوم على الشراكة والتكامل. ودعا إلى اجتماع موسع خلال الأسبوع الجاري، يضم كل المتدخلين المعنيين، لتحديد المسؤوليات ووضع خارطة طريق قابلة للتنفيذ.
كما أكد أن مشكل الماء لا يخص فقط الجهات الرسمية، بل هو قضية مجتمعية تتطلب وعيًا جماعيًا بمحدودية الموارد المائية، وترشيدًا في الاستهلاك، وحماية للمجال البيئي من أشكال الاستنزاف، خاصة في قطاعي الفلاحة والبناء.
بين النوايا والإنجازات: ماذا تنتظر الساكنة؟
الساكنة المحلية، التي عانت لسنوات من تداعيات العطش، بين شح في الموارد وغياب للبنيات التحتية، تنتظر أن تنتقل هذه الوعود من محاضر الاجتماعات إلى واقع ملموس. فمصداقية العمل المؤسساتي تقاس اليوم بسرعة الإنجاز ونجاعة المشاريع، وليس فقط بكثرة اللقاءات.
كما أن التحدي لا يكمن فقط في توفير الماء، بل في ضمان توزيعه بعدالة مجالية، تحترم مبدأ الإنصاف الترابي، وتمنح الأولوية للمناطق المهمشة التي طالها الإقصاء لعقود.
الماء رافعة للكرامة والتنمية
إن التعاطي مع إشكالية الماء في إقليم شتوكة آيت باها، كما عبرت عنه الدورة الحالية للمجلس، يعكس تحوّلاً في وعي الفاعلين المحليين بأهمية هذا المورد، ليس فقط كعنصر بيئي، بل كمحدد لكرامة المواطن واستقراره الاجتماعي والاقتصادي.
وإذا كان عامل الإقليم قد فتح الباب أمام نقاش صريح حول النجاعة، والمسؤولية، والشفافية، فإن الكرة الآن في ملعب الجميع: سلطات، منتخبين، فاعلين اقتصاديين ومدنيين. فبدون تظافر الجهود، سيبقى “العطش” عنوانًا للفشل في واحدة من أغنى جهات المغرب بالمؤهلات، وأشدها حاجة إلى عدالة مائية مستدامة.
بقلم: ع بوتبّاوشت