الرؤية الملكية للماء: من سياسة السدود إلى تدبير استراتيجي شامل ومستدام.

يشكل الأمن المائي أحد أبرز الأولويات الاستراتيجية في الرؤية الملكية المتبصرة، التي جعلت من الماء موردا حيويا يستوجب تعبئة شاملة واستباقية، في ظل التحولات المناخية المتسارعة وتزايد الضغط على الموارد الطبيعية. فمنذ عقود، وضع جلالة الملك، حفظه الله، قضية الماء في صلب السياسات العمومية، باعتبارها شرطًا أساسيًا للاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية المستدامة.

وانطلاقا من هذه الرؤية، واصل المغرب نهج سياسة السدود التي أرسى دعائمها المغفور له الملك الحسن الثاني، وطورها جلالة الملك محمد السادس عبر مقاربة جديدة تقوم على التنويع، والعدالة المجالية، والنجاعة، وربط تدبير الموارد المائية بأهداف التنمية الشاملة. ولم تعد السدود مجرد منشآت لتخزين المياه، بل أضحت أدوات استراتيجية لحماية البلاد من الجفاف والفيضانات، وضمان التزود المنتظم بالماء الصالح للشرب، ودعم الفلاحة والأنشطة الاقتصادية.

وتستند الرؤية الملكية الحالية إلى ثلاثة مرتكزات أساسية؛ أولها تسريع تعبئة الموارد المائية التقليدية، وفي مقدمتها بناء السدود الكبرى والمتوسطة والصغرى بمختلف جهات المملكة، وفق منطق التوازن الترابي والإنصاف المجالي.

أما المرتكز الثاني فيهم تثمين الموارد غير التقليدية، خاصة تحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، كحلول هيكلية لمواجهة ندرة المياه. في حين يرتكز المحور الثالث على تدبير الطلب على الماء، من خلال ترشيد الاستهلاك، وتحديث شبكات التوزيع، وتعزيز التحسيس والنجاعة المائية.

وتعكس التوجيهات الملكية حرصا واضحا على تعزيز المخزون الاستراتيجي للمياه، والانتقال من منطق التدبير الظرفي إلى منطق الاستشراف طويل المدى، بما يضمن صمود المملكة أمام توالي سنوات الجفاف وتذبذب التساقطات، كما تولي هذه الرؤية أهمية خاصة للتكامل بين الجهات، عبر مشاريع نقل المياه بين الأحواض، تكريسًا للتضامن الوطني وضمانًا لتوزيع عادل للموارد.

وفي سياق تنزيل النموذج التنموي الجديد، تبرز الرؤية الملكية للماء كرافعة لتحقيق السيادة الاقتصادية والاجتماعية، إذ لا تنمية دون أمن مائي، ولا استقرار دون استدامة الموارد الطبيعية. ولهذا، يتم اليوم إعادة هيكلة الحكامة المائية، وربطها بأبعادها البيئية والفلاحية والحضرية، بما يخدم الإنسان ويصون المجال.

إن ما يشهده المغرب من تسريع في إنجاز السدود، وتوسيع القدرة التخزينية، وتعدد المشاريع المائية الكبرى، ليس سوى تجسيد عملي لرؤية ملكية واضحة، تضع السيادة المائية في قلب السيادة الوطنية، وتؤسس لمستقبل آمن للأجيال القادمة، قوامه الحكامة الرشيدة، والعدالة المجالية، والاستدامة البيئية.

الأخبار ذات الصلة

المزيد من الأخبار جار التحميل...لا يوجد المزيد من الأخبار

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *