- التعامل مع المضمون الإعلامي على أنه “سلعة يعني إلقاء المقاولة الإعلامية إلى سوق غير متكافئة محكوم عليها بالخاسرة فيها مسبقا أمام التفاهة.
- التركيز على الشروط المالية والإدارية فقط لدعم المقاولة الإعلامية معناه استبعاد للكفاءة المهنية على اعتبار أن المقاولة الإعلامية “مقاولة ثقافية” وليست صناعية أو خدماتية أو تجارية.
- هل يمكن أن ينافس “تحقيق صحفي” تم إنجازه من طرف فريق من الصحفيين المهنيين وبين حلقة واحدة من سلسلة ” روتيني اليومي“؟ فالتفاهة قد هزمت الجميع.
- إن مهنة الصحافة في حاجة إلى الحرية والحماية من التفاهة بقدر يزيد عن حاجتها إلى الدعم المالي.
- إن ” المضامين الإعلامية ” التي تنتجها المقاولات الإعلامية المرتقب استفادتها من الدعم ليست “سلع” يمكن إخضاعها لمنطق السوق بل “إنتاجات” ذات طابع فكر وثقافي وبالتالي وجب اعتبارها “خدمة عمومية”
السيد الوزير المحترم
اسمحوا لي في البداية أن أشكر لكم المجهودات المقدرة التي شرعتم في بدلها من أجل تنزيل مشروع النهوض بالمقاولة الإعلامية المغربية، ومساهمة في هذا النقاش التاريخي إليكم وجهة نظري كصحفي مهني وكباحث في النموذج الاقتصادي للمقاولة الإعلامية.
السيد الوزير المحترم
يبدوا أن الأفكار والإجراءات التي جرى تداولها حول إمكانيات النهوض بالمقاولة الإعلامية المغربية لم تلامس بقدر كبير الإشكالات الكبرى، وذلك ما يفسر في نظري المتواضع ابتعاد هذا التصور عن الواقع وإغراقه في تفاصيل جامدة جرى تكرارها منذ أن بدأ الحديث عن استراتيجية تأهيل المقاولة الإعلامية، لذلك ألتمس من سيادتكم تخصيص حيز من وقتكم والنظر في هذه المقترحات التي أرفعها إليكم السيد الوزير المحترم.
أصل الإشكال
عندما نستعمل مفهوم ” المقاولة الإعلامية“ فإننا نتحدث عن مؤسسة تنتج “منتوجا” يتمثل في “المضامين الإعلامية“ وهي مضامين سيتم عرضها في “سوق“ مفتوح في وجه المقاولات الإعلامية المتنوعة والمتنافسة، وهو ما يطرح إشكالية تحول ” المضمون الإعلامي” إلى سلعة خاضعة لمنطق السوق.
وبحكم أن هذه السوق لا تحكمها أية قواعد مهنية ولا شفافية ولا أخلاق، بالإضافة إلى تغول منصات التواصل الاجتماعي وفرضها شروط مجحفة في حق المقاولات الإعلامية والمنافسة غير المتكافئة بين من ينعتون أنفسهم ب”المؤثرين” وبين “الصحفيين المهنيين”.
إن هذه السوق التي تعتمد على خوارزميات “النقارات” وعدد “المشاهدات” ليست منصفة بالنسبة للمضامين الإعلامية التي تتقيد بميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة كما أن التزامها بالخط التحرير الجاد والمسؤول يجعلها متأخرة في هذا السباق المحموم نحو “الكليك”.
وكمثال على ذلك فإن المقارنة بين “تحقيق صحفي“ تم إنجازه من طرف فريق من الصحفيين من ذوي الخبرة في موضوع غير مسبوق، لن يحظى بعدد المشاهدات أو الإعجابات بمثل ما يمكن أن تحظى به حلقة واحدة من سلسلة ” روتيني اليوم“.
فهل هذه السوق متكافئة من أجل أن ندفع المقاولات الإعلامية الجادة والمسؤولة إلى دخولها وخوض غمار المنافسة فيها مع التفاهة، أكيد أن التفاهة قد هزمت المقاولة الإعلامية المنضبطة بأخلاقيات وقواعد مهنة الصحافة، وتهدد بالقضاء عليها.
مفاهيم ينبغي أن تتغير
إن “المضمون الإعلامي” السيد الوزير المحترم ليس “سلعة“ ولا يمكن المغامرة بإخضاعه لمنطق السباق المحموم على ” النقرات” لأنه محكوم عليه بالخسارة والانهزام أمام التفاهة التي هي عماد المضامين التي أصبحت تحقق ما يسمى “البوز”.
لذلك فإن ” المضامين الإعلامية “ التي تنتجها المقاولات الإعلامية التي ستستفيد من الدعم ليست “سلع“ بل “إنتاجات” ذات طابع فكر وثقافي وبالتالي فإنها “خدمة عمومية“ موجهة للمتلقي سواء كان مغربيا أو أجنبيا.
لذلك لابد من التعامل مع المضامين الإعلامية بوصفها “خدمة عمومية” وبالتالي فالمقاولات الإعلامية ليست دكاكين لإنتاج سلع محكوم عليها بالبوار منذ البداية في سوق تعمها الفوضى، بل يجب اعتبارها مؤسسات وطنية لإنتاج مضامين ذات بعد ثقافي وفكري وسياسي يخدم الوعي الجمعي للمغاربة وينافح عن المصالح العليا للوطن، ويقدم المغرب وقضاياه العادلة بكل جرأة أمام المحافل الدولية.
مثقفون وليس أجراء
إن النقاش الذي صاحب الحد الأدنى للأجور الخاص بالصحفيين نقاش بئيس بؤس أصحاب المقاولات التي تدافع على أن يستقر في الحدود الدنيا التي تم تداولها، كما أن الطريقة التي تمت بها مناقشة أجور الصحفيين تنطوي على تصور تحقيري للصحفيين والتقنيين، و يعتبرهم مجرد أجراء لا يجدون غضاضة في أن يقبلوا بهذه الأجور المتدنية الحقيرة، علما أنهم سينجزون مضامين عن الفساد، والرشوة، واستغلال النفوذ ، الإثراء غير المشروع، ويمكن أن يوجهوا نقدا للحكومة وينتجوا تحقيقات عن مشروع الميزانية العامة للبلد …
هل يمكن لهذا الصحفي الذي يتقضى أجرا لا يتجاوز 5800 درهم أن يصمد أمام الإغراءات المختلفة والمتنوعة؟ إن الصحفيين من فصيلة البشر يسري عليهم من القوانين الاجتماعية ما يسري على الجميع.
لذلك فإن الصحفيين الذي سيطلب منهم انتاج “المضامين الإعلامية” التي ترقى إلى مستوى “الخدمة العمومية” وبإمكانها رفع الوعي والتأثير الإيجابي في صناع القرار، والتنبيه إلى مواطن الخلل، لابد أن يكونوا في مستوى عال من “العيش الكريم”، بأجور محترمة، وبالضرورة بمستويات ثقافية وعلمية معتبرة، لأنه لا يمكن للجائع أن ينصت إلا لصوت يبشره بالخبز، لذلك لابد من اتفاقية جماعية محينة وبعيدة عن هواجس المنتفعين الذين يريدون الاغتناء على حساب كرامة عيش زملائهم الصحفيين.
وبناء عليه السيد الوزير
لابد من إعطاء الأولية للمستوى التعليمي والثقافي والتكويني للصحفيين والتقنين العاملين بالمقاولات الإعلامية مع الحرص على رفع الحد الأدنى للأجور إلى مستوى الكرامة التي يجب أن يتمتع بها من سوف يقوم بممارسة مهام السلطة الرابعة حقيقتا وليس زورا.
السيد الوزير المحترم
أعتذر إن كان في تعابير هذه الرسالة بعض الألفاظ المشبعة ببعض القسوة ولا أجد لذلك مبررا إلا في غيرتي على هذه المهنة التي أمضيت فيها أزيد من عقدين من الزمن، وبالتالي فإنني أجد نفسي ملزما بالإدلاء بهذه الملاحظات والمقترحات ولي كامل اليقين أنكم ستتفاعلون معها بشكل ايجابي.
وبالعودة إلى مرسوم دعم المقاولات الإعلامية فإنني أسجل هنا على أنه ركز على بعض الإجراءات الإدارية والمالية التي من المفروض احترامها من طرف المقاولات الإعلامية في حين تجاهل بعض النقط الاستراتيجية المهمة المتعلقة بكفاءة الموارد البشرية والتدرج في تقديم الدعم، وأعرض عليكم هذه الملاحظات كالآتي:
- غياب منطق التدرج في تخصيص الدعم
إن المراسيم التنظيمية التي سيتم إخراجها السيد الوزير وجب أن تقوم على أساس الدعم المتدرج على مستويين بحيث تقديم “دعم أولي” للمقاولات التي تستوفي الشروط النظامية للمقاولة من أجل مساعدتها على الانطلاق في السنة الأولى من العمل وعدم تفصيل إجراءات الدعم على المقاولات القائمة فقط والتي تملك القدرة على الاستثمار من أول يوم، مع الأخذ بعين الاعتبار المقاولة الإعلامية الجهوية.
- رد الاعتبار للكفاءة المهنية
إكراما للصحفيين المهنين الذين راكموا تجارب مهمة في الصحافة وجب إلزام المقاولات الإعلامية على ادماج هؤلاء الصحفيين الذي اجتهدوا في تطوير أدائهم لمواكبة التحولات التي عرفتها الممارسة الصحفية من أجل تحقيق التواصل بين أجيال الإعلاميين وكذا من أجل رفع منسوب المهنية في المنتوج الإعلامي.
- منطق الاستثمار المقلوب
إن المنطق الذي يجري به دعم المقاولات الصحفية يختلف عن باقي أنواع الدعم الموجه للمقاولات في مجالات أخرى، حيث يتوجب على المقاولة الإعلامية أن توفر أجور طاقمها وجميع مصاريف العمل لمدة ثلاث سنوات قبل أن تتوصل بالدعم مما يعتبر شرطا تعجيزيا للمقاولات الإعلامية خاصة تلك التي تم إنشاؤها من طرف صحفيين مهنيين سبق لهم وأن اشتغلوا في مقاولات سابقة.
لذلك لابد من اعتماد صنفين أو ثلاث أصناف أو مستويات من الدعم الموجه إلى المقاولة الإعلامية من أجل التدرج في النمو ومساعدتها على بناء النموذج الاقتصادي الخاص بها.
وفي ختام هذه الرسالة أتمنى لكم السيد الوزير التوفيق في هذه المهمة الصعبة، وأقترح عليكم تنظيم مناظرة وطنية للاستماع إلى أراء الصحفيين قبل إخراج المراسيم التنظيمية حتى تكون مستجيبة إلى تطلعات المهنين وجديرة بأن تنهض بالمقاولة الإعلامية المغربية.
وتقبلوا السيد الوزير فائق عبارات التقدير والاحترام
محفوظ آيت بنصالح
صحفي مهني وصاحب مقاولة إعلامية