أعلام البوليساريو بمقبرة لكصابي… أين يكمن الخلل؟ مقال رأي لمحمد ابودرار

ما وقع بمقبرة جماعة لكصابي بكلميم من استغلال جنازة لرفع أعلام البوليساريو وترديد شعارات انفصالية فعل مؤسف ومرفوض شرعا وعُرفا و قانونا،…

فللمقابر حرمتها، وهي مكان دعاء للميت وأخد للعبر واستحضار للاخرة، لا ساحة شحن سياسي ولا منصة شعارات…

وبعيدا عن المقاربة القانونية التي تُجرّم مثل هذه الأفعال، دعونا نحلل الواقعة من زاوية أخرى ونسمي الأمور بمسمياتها :

نعم، يجب الاعتراف ،…

مع الأسف هناك قلة من شباب أقاليمنا الأربعة يعتنقون الفكر الانفصالي….

فجهة كلميم وادنون، وإن لم تشملها اتفاقية مدريد لسنة 1975، بعدما طردت قبائل آيت باعمران وباقي مكونات جيش التحرير ، الاستعمار الإسباني سنة 1969، ورغم اعتبار الجهة خارج الملف الأممي كأقاليم متنازع عليها، فإن تركيبتها القبلية ومجالها الجغرافي يجعلانها جزءا لا يتجزأ من الصحراء المغربية، كما أنها الأقرب مسافة إلى تندوف، ولطالما كانت جماعة المحبس هدفا لهجومات البوليساريو، آخرها السنة الماضية بالتزامن مع زيارة الوفد الحكومي.

إن ما يغذي هذا الفكر ليس فقط الدعاية الخارجية، بل بالأساس واقع التهميش التنموي الذي تعانيه جهة وادنون مقارنة بما يُضخ في جهتي الصحراء، إضافة إلى تغوّل بعض المسؤولين وفشلهم الذريع في القيام بمهامهم التنموية والإدارية ، كما يساهم في ذلك بشكل كبير فساد بعض المنتخبين و السياسيين الذين تعاملوا مع الجهة وكأنها إرث يُقسم بينهم، بدل خدمة الصالح العام، ناهيك عن ضعفهم الكبير في التأطير رغم تموقعهم في هرم المسؤولية والقبيلة.

ويزيد من خطورة الوضع ، النزوع العنصري لبعض الأطراف ضد المكوّن الأمازيغي، في حين أن جهة كلميم وادنون لطالما قامت على نسيج متناغم يجمع بين المكونين ” الصحراوي العربي والصحراوي الأمازيغي” .

وتهميش الأمازيغ، وهم ساكنة الصحراء الأولون من وادنون إلى تمبكتو عبر قرون، خطأ استراتيجي يزرع التوتر بدل أن يعزز الوحدة.

في اعتقادي أن أكبر انزلاق ارتُكب في هذا الملف بجهتنا وبباقي جهتي الصحراء هو استعمال مقاربة الريع لمواجهة الفكر الانفصالي ، فكانت النتيجة جيلا اتكاليا غارقا في الامتيازات، ونشوء لوبيات متغولة تتحكم في القرار المحلي والجهوي ، بل إن بعضها جعل من الملف بقرة حلوب تبتز بها مؤسسات الدولة عند الحاجة، لركم مكاسب سياسية او ريعية ، بدل أن تجعله ورشا وطنيا للتنمية والوحدة…

بينما كانت الحكمة وبعد النظر تقتضيان غرس الوطنية الصادقة عبر تكريس الديمقراطية وإنجاز تنمية شاملة تُنصف الأرض والإنسان ، وبدل ذلك، جرى تقوية فئات محدودة بالنفوذ السياسي والمالي على حساب باقي المكونات، فخلقت أرضية متوترة تُغذّي أفكار الانفصال وتدفع إلى السخط واليأس والهجرة، ولعل مشاهد قوارب الموت المنطلقة من شواطئ الجهة أكبر شاهد مؤلم على ذلك.

لقد جلس المغرب مع ممثلي البوليساريو في محطات عديدة سابقة للتفاوض، وسيأتي يوم يجلس معهم مرة اخرى بإذن الله من أجل تنزيل مشروع الحكم الذاتي ، و هنا اشير إلى أن وصفهم بالخونة أو المرتزقة لا يخدم النقاش، فمهما تباعدت المواقف هم أبناء هذا الوطن اخوتنا وأبناء عمومتنا، والعديد من عوائلنا لها ابناء او اباء بالمخيمات او في دول أخرى ، ومصيرهم في النهاية أن يعودوا إلى حضن وطنهم. الخلاف مع أفكارهم الانفصالية ثابت وحاسم، لكن مسؤوليتنا أن نكسبهم بالحوار والإشراك و والتنمية لا بالسب والإقصاء.

وما يشهده هذا الملف اليوم من دينامية متزايدة وتحرك دولي متسارع مؤيد للمقترح المغربي تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك نصره الله، يؤكد أن فجر الحل بات قريبا، وأن أبناءنا سيعودون للمشاركة في تدبير ومواصلة بناء جهاتهم الصحراوية الثلاث في إطار مشروع وطني مغربي جامع ، فالوطن غفور رحيم يتسع للجميع، والرهان الحقيقي هو أن نكسب أبناءنا بالعدل والحكمة والتنمية، لا أن ندفعهم بعيدا بالظلم والإقصاء.

لست خبيرا في متاهات ملف الصحراء ، ولا في تعقيدات الدبلوماسية الخارجية، لكنها بضع أفكار سطرتها كسياسي صحراوي امازيغي ، راكم شيئا من التجارب، وأدلي بها اليوم درءًا للفتنة وتنبيها للبعض.

الأخبار ذات الصلة

المزيد من الأخبار جار التحميل...لا يوجد المزيد من الأخبار

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *